نـوح عليه السـلام

((2)) نـوح عليه السـلام
سنواصل حديثنا اليوم مع نبى آخر من سلسلة أنبياء الله عليهم وعلى نبينا الصلاة والسلام...
*وهو النبى الثانى بعد آدم عليه السلام
وأول الرسل إلى أهل الأرض.. إنه نــــوح عليه السلام.
وكان مولده بعد وفاة آدم بمائة وست وعشرين سنة.
عن بن عباس قال(( كان بين آدم ونوح عشرة قرون كلهم على الأسلام))
*قبل قوم نوح.. كان يعيش خمسة رجال صالحين من أجداد قوم نوح.. وهم : وَدّ،سُواع،يَغوث، يَعوق، نَسْر.. وبعد موتهم .. صنع الناس لهم تماثيل ،لإحياء ذكراهم ،وتكريماً لهم..ومضى الوقت .. وماتت الأبناء.. وجاءت
الآحفاد... ونُسِجَت القصص والحكايات حول تلك التماثيل.
إستغل إبليس الفرصة.. وأوهم الناس إن تلك التماثيل هى تماثيل آلهة من قبلهم، تملكُ لهم النفع،وتبعد عنهم الضرر.. وبدأ الناس يعبدون تلك التماثيل.
*كان نوح قبل بعثته إلى الناس.. إنسان على الفطرة ،مؤمناً بالله تعالى .. وكان يشكر الله كثيراً ويحمده، فى نومه وطعامه، وشرابه، وملبسه، وعتد خروجه..
لذلك قال عنه سبحانه وتعالى ((إنه كان عبداً شكورا))
*لما عَبَد الناس الأصنام والطواغيت.. وشرع الناس فى الكفر.. بعث الله تعالى نوحا رحمة للعباد، لينذرهم عذاب الله إذا تمادوا فى كفرهم وضلالهم ..فعتوا عن آمر ربهم.. واجتمع كُبراء قومه وأثريائهم على تكذيبه، وإحتقاره هو وكل من اتبعه.
إستبعد قوم نوح أن يختار الله واحد منهم، بَشَر مثلهم، لايمتاز عليهم بالغنى والثراء لهدايتهم وموعظتهم.
واستبعدوا ونفوا أن يكونوا مِثْْْْل الذين اتبعوا نوحا من الضعفاء والمساكين..وطلبوا منه أن يطرد الذين آمنوا به، تقززا أن يجتمعوا معهم فى دين واحد.
لكن نوح آتى،خوفا من الله تعالى ،أنه إذا طردهم لايجدله ناصراً يدفع عنه عقاب الله.
وبيَّن لهم إنه ليس بِمَلِكْ من الملائكة. إنما هو بشر مثلهم، اختاره الله تعالى ، لدعوتهم ،وتبليغهم، أمر الله عزوجل ، ودعاهم إلى عبادة الله وحده لاشريك له، وألا يعبدوا معه تلك الأصنام التى لاتضر ولاتنفع.
وبيَّن لهم ,, إنه لايطلب مقابل دعوتهم هذا أجراً أو مال.. إنما أجره من الله تعالى.
أخذ نوح يدعوا قومه ليلاً ونهارا، سراً وعلانية.. بالترغيب مرة والترهيب مرة.. وكلما دعاهم إلى الله، فروا منه.. وكلما دعاهم ليغفر لهم الله، جعلوا أصابعهم فى آذانهم,, واستمر أكثرهم على الضلالة وعبادة الأصنام ونصبوا له العداوة، ولكل من آمن به.
وكان كلما انقرض جيل، وَصُّوا من بعدهم بعدم الإيمان بنوح، ومحاربته، ومخالفته.. تطاول الزمان والمجادلة بينه وبينهم.. قال تعالى((ولقد أرسلنا نوحا إلى قومه فلبث فيهم ألف سنة إلا خمسين عاما))
فبالرغم من تلك المدة الطويلة.. لم يؤمن به إلا القليل منهم.
ولاحظ نوح إن عدد الكافرين يزيد، وعدد المؤمنين لايزيد.. وحزن نوح ولكنه لم ييئس ولم يفقد الأمل، وظل يدعوهم.
إلى أن آوحى الله له ،أنه لن يؤمن من قومك إلا من قد آمن.
هنا.. دعا نوح على قومه بالهلاك .. قال تعالى((وقال نوح رب لاتذر على الأرض من الكافرين ديارا))
وبرر دعوته هذه فى قوله تعالى((إنك إن تذرهم يضلوا عبادك ولا يلدوا إلا فاجراً كفاراً))
واستجاب الله لدعوة نبيه فقال عزوجل((ونوحاً إذ نادى من قبل فاستجبنا له فنجيناه وأهله من الكرب العظيم))
(( سفينــــــة نــــــــوح))
أمر الله تعالى نوح أن يصنع سفينة.. وذلك بأن يغرس شجراً، فإذا فما وكر، قطع تلك الأشجار..وبدأ تجارته فى صناعة السفينة.
((فأوحينا إليه أن اصنع الفلك بأعيننا ووحينا))
قيل: إنها كانت سفينة ضخمة عظيمة الطول والأرتناع والمتانه.. وإنها كانت من ثلاث طبقات.. السفلى للدواب والوحوش، والوسطى للناس، والعليا للطيور ولها غطاء من فوقها مطبق عليه.
وكان كلما مر عليه الكفار، يضحكون عليه ويسخرون منه.. ويقولون:ليست هناك أنهار أو بحار.. فكيف ستجرى هذه السفينة هل ستجرى على الأرض؟؟
إلى أن أوحى الله له، أنه إذا فار التنور"وهو الفرن الكائن فى بيت نوح للخبيز"
فإذا خرج منه الماء.. كان هذا أمر لنوح بالتحرك،وعلامة على بدء الطوفان .. قال تعالى((فإذا جاء أمرنا وفار التنور فاسلك فيها من كل زوجين اثنين وأهلك إلا من سبق عليه القول منهم، ولاتخاطبنى فى الذين ظلموا، إنهم مغرقون))
وجاء اليوم الرهيب.. وجاءت اللحظة الحاسمة
وأمر الله نوحا أن يركب فى السفينة هو وكل من آمن معه إلا امرأته كانت من الكافرين .. وأن يحمل فيها من كل حيوان وطير زوجين من ذكر وأنثى لبقاء نسلها.. وأن يحمل معه مليلزمهم من طعام يؤكل.
وفجأة ... إنبعثت المياه من فتحات الأرض.. وانهمرت الأمطار الغزيرة من السماء والماء يحمل السفينة ويمر كمر السحاب.. والماء يرتفع ويعلو.. فيرتفع أعلى من الناس.. ثم يتجاوز قمم الأشجار ثم قمم الجبال.. إلى أن أعطى سطح الأرض.
وغرقت الكرة الأرضية بكل من عليها من إنس ودواب وأصبحت الكرة المائية .. قال تعالى((مما خطياتهم أُغرقوا فأُدخِلوا نارا فلم يجدوا لهم من دون الله أنصارا))
((حـــــوار نوح مع ابنــــــه))
مع بداية الطوفان..نادى نوح ابنه.. وكان يقف بعيداً عنه.. وكان بينهما هذا الحوار الذى عبر به سبحانه وتعالى فى كتابه الكريم.. قال تعالى على لسان نوح((يابنى اركب معنا ولاتكن مع الكافرين))
فرد الأبن قائلاً((قال سآوى إلى جبل يعصمنى من الماء))
فخاطبه نوح قائلاً((قال لاعاصم اليوم من أمر الله إلا من رحم ))
وانتهى الحوار بين نوح وابنه..
قال تعالى((وحال بينهما الموج فكان من المغرقين))
لقد انتهى الموج حوارهما.. وهذا رحمة من الله سبحانه وتعالى بالأب..أن يرى ابنه وهو يغرق.
واستمر الطوفـــان... إلى أن صدر الأمر الإلهى إلى السماء أن تكن عن هطول المطر.. وإلى الأرض أن تستقر تبتلع الماء.. وإلى السفينة أن ترسو على الجودى"وهو اسم جبل فى العراق" قال تعالى((وقيل ياأرض ابلعى ماءك وغيض الماء وقضى الأمر واستوت على الجودى وقيل بُعداً للقوم الظالمين))
وهكذا..طهَّر الطوفان الأرض من القوم الكافرين..
قيل كان ذلك يوم عاشوراء.. هذا اليوم الذى صامه نوح ومن معه والله اعلم.
لم يكن نوح يعلم حتى هذه اللحظة ،إن إبنه من الكافرين..وتحركت عاطفة الأب داخل قلبه .. فقال لربه عزوجل: إن ابنى من أهلى، حيث وعده الله تعالى بنجاة أهله المؤمنين.
واتطلع نوح على حيقية ابنه.. حيث قال تعالى(( يانوح انه ليس من أهلك إنه عمل غير صالح فلا تسألن ما ليس لك به علم))
استغفر نوح ربه... فتاب عليه، وأمره أن يهبط من السفينة هو ومن معه، ببركة الله ورعايته لهم... قال تعالى((قيل يانوح اهبط بسلام منا وبركات عليك وعل أمم ممن معك))
وما أن هبط نوح بسلام حتى سجد بجبهته على الأرض شاكراً ربه على نجاته لهم.. وانتشرت الطيور والوحوش.. وتفرق المؤمنون على سطح الأرض...لتستمر الحياة عليها مرة أخرى..
((الدروس المستفادة من قصتى نوح وابنه،قصة السفينة))
*أراد الله سبحانه وتعالى أن يُبَيَّن لنوح إن ابنه ليس من اهله ، لأنه لم يؤمن بالله..ذلك لإن ليس الدم هو الصلة الحقيقية بين الناس.. إنما ابنه هو ابنه فى العقيدة الذى يتبع الله ورسله،وليس ابنه من يكفر بالله ولو كان من صلبه.
فينبغى أن تتصل بين المؤمنين صلات العقيدة فحسب دون الآخذ بأى إعتبارات أخرى.
*ايضا نتعلم من قصة السفينة درس هام لحياتنا:
حيث قال تعالى لنوح عليه السلام((فإذا استويت أنت ومن معك على الفلك فقل الحمدلله الذى نجانا من القوم الظالمين))
فهنا أمره سبحانه وتعالى أن يحمد ربه على ما سخر له هذه النعة وهى السفينة وينجوا مما كانوا فيه .. وهكذا علينا بذكر الله وحمده فى جميع أمورنا.
وقد امتثل نوح عليه السلام لهذا الامر ، حيث قال عند ركوب السفينة كما أخبرنا تعالى((اركبوا فيها بسم الله مجريها ومرساها)) أى: على اسم الله ابتداء سيرها وانتهاؤه.
((وصية نوح عليه السلام لأبنـــــه))
أوصى نوح عليه السلام ابنه بأمرين ونهاه عن اثنتين:
أمره ب لااله الا الله فإن السموات السبع والأرضين السبع وضعت فى كفه ، ووضعت لاإله إلا الله فى كفة.. لرجحت بهن لااله الا الله.
ولو إن السموات السبع والأرضين السبع كن حلقة مبهمه ضمتين"لااله الا الله وسبحان الله وبحمده" فإن بها صلات كل شىء ، وبها يرزق الخلق، ونهاه عن الشرك والكبر.
تمت بحمد الله