هـــود عليه الســــلام

((3)) هـــود عليه الســــلام

مضى قوم نوح.. واستخلف الأرض الناجون منها،وهم المؤمنين... فلم يكن هناك قلب واحد كافر على الأرض.
ودارت عجلة الزمن.. ومات الآباء والآبناء.. وجاءت الأحفاد..ونسى الناس وصية نوح فى عبادة الله وحده.. وانحرف الناس عن عبادته سبحانه وتعالى .. وعادت عبادة الآصنام مرة ثانية.
فكر الشيطان،ودَبّر.. وأعاد خطته مرة آخرى..
حيث قال آحفاد نوح: لانريد أن ننسى آباءنا الذين نجاهم الله من الطوفان.. وصنعوا لهم تماثيل، ليذكروهم بها.. وتتطور الآمر.. وتحولت هذه التماثيل خلال سنوات إلى آلهة يعبدون دون الله.
وأرسل الله تعالى هوداً عليه السلام إلى قومه لهدايتهم ودعوتهم لعبادة الله تعالى وحده دون أن يشركوا به أحد.
كان هود من قبيله اسمها عــــــــاد..
كانوا.. أول الأمم الذين عبدوا الأصنام بعد الطوفان.
كانوا.. يسكنون مكان يسمى الأحقاف..(وهو صحراء تمتلىء بالرمال وتطل على البحر)
كانوا .. يسكنون الخيام الكبيرة ،ذات أعمدة شديدة الضخامة والارتفاع.
كانوا.. عمالقة ، أقوياء ..فلم يكن فى زمانهم أحد فى قوتهم ، ولا فى ضخامة أجسامهم.
كانوا.. يقولون كما قال تعالى((من أشد منا قوة))
ألم يروا ان الله الذى خلقهم هو أشد منهم قوة.
وجاءهم هود.. وقال لهم نفس الكلمات التى يقولها كل رسول لقومه.. كما أخبرنا تعالى((ياقوم اعبدوا الله مالكم من إله غيره إن أنتم إلا مفترون، ياقوم لاأسئلكم عليه أجراً إن أجرى إلا على الذى فطرنى أفلا تعقلون.))
وذَكَّرْهُم بنعم الله عليهم.. إذ جعلهم خلفاء من بعد قوم نوح.. واسكنهم الأرض التى تمنح لهم الخير والزرع.. وأنه منحهم بسطة وقوة فى الجسم.. لكن ذلك لم يزدهم إلا الكبرياء والعناد.
كان قوم هود يضحكون على كلامه،ويتهامسون فيما بينهم.. ويستنكرون قيام الساعة.. ويقولوا: ما أغرب إدعاء هود... ويسألونه: كيف بعد مانموت ونصير ترابا،نعود للحياة مرة آخرى؟!
ألا يعلمون أن الله الذى خلقهم من قبل ، بقادر على إعادتهم مرة ثانية؟
واستقبل هود اسئلهم بصبر وهدوء عملاً بقوله تعالى ((ادعوا إلى ربك بالحكمة والموعظة الحسنة))
وبدأ يحدثهم، ويخبرهم.. عن الله سبحانه وتعالى.. وإن من تمام عدل الله وجود يوم القيامة للحساب والجزاء.. ولتجزى كل نفس بما عملت.
فكان رؤساء قومه يقولون كما أخبرنا تعالى((أيعدكم أنكم إذا متم وكنتم ترابا وعظاما أنكم مُخرجون، هيهات هيهات لم توعدون، إن هى إلا حياتنا الدنيا نموت ونحيىَ وما نحن بمبعوثين))
واستنكروا يوم البعث..واستنكروا أن يرسل الله رسولاًمن البشر.. وآخذوا يتساءلون: أليس هذا النبى بشر مثلنا؟ يأكل مما نأكل، ونشرب مما نشرب.. فكيف نطيعه وهو بشر مثلنا لم يُفَضّلَهُ علينا بشىء؟
فكان رد هود عليهم: إن الله أرسلنى لأحذركم ، ولاتنسوا ماحدث لسفينة نوح ، فهى ليست بعيدة عنكم... وكيف أهلكهم الله.. والله قادر أن يهلك كل من يكفر به مهما كانوا أقوياء.
واستمر الصراع، بين هود وقومه.. وبدءوا يتهمونه بالسفه والجنون .. وقالوا: الآن... علمنا السر فى جنوبك.. لإنك تسب آلهتنا .. فغضبت عليك بعض آلهتنا فمستك بسوء.
وقالوا فى تحدى كما أخبرنا تعالى((نحن بتاركى آلهتنا عن قولك وما نحن لك بمؤمنين ، إن نقول إلا اعتراك بعض آلهتنا بسوء))
لم يغضب هود لسبهم وعصيانهم .. ولم يبق له إلا التوجه إلى الله وحده سبحانه وتعالى حيث قال((قال إنى أُشهد الله وأشهدوا إنى برىء مما تُشركون))
وهكذا أعلن هود برائته منهم، ومن آلهتهم... وتوكل على الله الذى خلقه وخلق كل شىء سبحانه وتعالى.. وأدرك أن العذاب واقع بالكافرين منهم وأبلغهم إنه بلغ رسالة ربه.. فإن كفروا فسوق يستخلف الله قوماً غيرهم،وما عليهم إلا أن ينتظروا عذاب الله تعالى.. كما أخبرنا عزوجل ((إنتظروا إنى معكم من المنتظرين))
((هــــلاك قوم هـــــود))
انتظر هود.. وانتظر قومه.. إلى أن أنزل الله بهم نقمته.. فأمسك عنهم المطر .. وبدأ الجفاف فى الأرض .. ومات الزرع.. وكان هذا بداية العذاب..
ذكر المفسرون : انهم لما أبوا إلا الكفر بالله عزوجل.. امسك عنهم القطر ثلاث سنوات.. وكان الناس فى ذلك الزمان، إذا جهدهم أمر ، طلبوا من الله الفرج.. وكانوا يطلبون بالحرم، حيث يقيم به العماليق.
قيل: فلما زاد الجفاف.. ومات الزرع.. ارسل كبراء قوم عاد سبعين رجلاً ليستسقوا لهم عند الحرم.. واستغرق سفرهم هذا شهر..
لما وصلوا الحرم، ودعوا بالسقاية لقومهم.. أنشأ الله سحابات ثلاثة.. بيضاء، وحمراء، وسوداء.. ثم استمع أحدهم وهو "قيل بن عنز" منادٍ من السماء.. اختر لقومك من هذا السحاب.
قال: اخترت السحابة السوداء، فإنها أكثر السحاب ماءا
فناداه مناد:اخترت رماد رمداً ، لاتبقى من عادى أحدا، لاوالدا يُترك ولا ولدا، إلا جعلته همدا... إلا بنى اللوذيه، وهم من عاد لكنهم كانوا يعيشون بمكة، فلم يصبهم ما أصاب قومهم، وقيل من بقى من أنسابهم وأعقابهم هم عاد الآخرة.
قيل: وساق الله تلك السحابة السوداءبما فيها من النقمة إلى عاد.. فلما رأوها ، استبشروا، وقالوا: هذا عارض ممطرنا(أى سحاب يحمل لنا المطر)
ظنوا سحابا ممطرا.. فإذا هو سحاب عذاب
اعتقدوا فيه الرحمة..فإذا به النقمة
رجوا فيه الخير.. فنالوا منه أشد العذاب
يقول تعالى((بل هو ما استعجلتم به، ريح فيها عذاب أليم ، تُدمََّر كل شىء بأمر ربها))
فسخرها الله تعالى عليهم سبع ليال وثمانية أيام حسوماً أى : دائمة متتابعة... فلم تدع من عاد أحدا إلا هلك.
قال تعالى ((فترى القوم فيها صرعى كأنهم أعجاز نخل خاوية))
0شبههم الله بأعجاز النخل التى لا رؤؤس لها.. حيث كانت الريح تجيىء إلى احدهم ، فتحمله وترفعه فى الهواء، ثم تنكسه على رأسه ، فيبقى جثة بلا رأس.
وكانت تلك الريح شديدة البرودة ، تدخل عليهم فى الكهوف ، تلفهم ، وتخرجهم ، وتهلكهم .. وتدمر عليهم البيوت المحكمة ، والقصور المشيدة وهكذا سلط الله عليهم ما هو أشد منهم قوة.. الريح العقيم..
عن عائشة رضى الله عنها : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا عصفت الريح قال:
((اللهـــم إنى أسالك خيرها،وخير ما فيها ، وخير ما أرسلت به.. وأعوذ بك من شرها، وشر ما فيها، وشر ما أرسلت به))
قالت: وإذا غيبت السماء.. تغير لونه، وخرج ودخل، وأقبل وأدبر .. فإذا أمطرت سرى عنه..
فعرفت ذلك عائشة.. فسألته ، فقال: لعله ياعائشة كما قال قوم عاد" فلما رأوه عارضا مستقبل أوديتهم قالوا هذا عارض ممطرنا"
وقالت أيضا السيدة عائشة رضى الله عنها: كان إذا رأى غيماً أو ريحاً عرف ذلك فى وجهه..
قالت: يارسول الله ، إن الناس إذا رأوا الغيم ، فرحوا، رجاء أن يكون فيه المطر..وآراك إذا رأيته، عُرف فى وجهك الكراهية؟!
فقال: ياعائشة .. مايؤمننى أن يكون فيه عذاب !! قد عذب قوم هود بالريح.. وقد رأى قومه العذاب فقالوا"هذا عارض ممطرنا"
وهكذا نجا هود ومن آمن معه .. وهلك الكافرون.. وأنزل الستار على هو ومن بقى معه من قومه.

((الدروس المستفادة من قصة هــود عليه السلام))
(1) أن لانقابل الشر بمثله، بل علينا استعمال اللين فى الكلام، والصبر وسعة الصدر فنجد عندما قال هود له((إنا نراك فى سفاهه وإنا لنظنك من الكاذبين))..ماذا كان رده؟ قال لهم((ياقوم ليس فى سفاهة ولكنى رسول من رب العالمين أبلغكم رسالات ربى وأنا لكم ناصح آمين)) فنجد فى هذا الرد حسن الأخلاق ، وحسن النية، واسداد النصيحة الخالصة بدون مقابل.
(2) تذكيرهم بنعم الله عليهم.. بإنه أنعم عليهم بأموال وبنين وخبات وعيون وزادهم فى الخلق بسطة..إلخ.....ليرغبهم فى الإيمان .. وليحافظوا على استمرار تلك النعم عليهم.
(3) لما وصل لمرحلة اليأس من هداية قومه.. لجأ إلى الله تعالى.. وقال ((إنى أشهد الله وأشهدوا إنى برىء مما تشركون))
تــــــمـــــت بـــــحمـــــد الله
جزاكم الرحمن خير الجزاء